لا يزاحم الإخلاص اليوم شيء مثل: (التصوير)
يتكلف الإنسان إظهار عمله الصالح للعالمين
وقد كان السلف يتكلفون إخفاءه حتى عن أهل بيتهم.
يبدو أن المسألة تجاوزت حد المباهاة بالسفر والمطاعم والاستراحات وجَمعة الأحبة والموائد .. إلى شأن آخر خطير .. أخطر مما نتخيل بكثير؛ شأن العبادات وفساد الإخلاص!!
ماذا يعني أن يرسل عضو في قروب الواتس برسالة على النحو التالي:
«أبشركم انتهيت من الختمة الثالثة ولله الحمد»!!
ويبعث ثالث بصورة له وهو منهمكٌ في توزيع الماء على عاملي النظافة في حر القيظ!!
ورابع يضع بروفايل صورته واقفاً في الروضة الخضراء رافعاً كفيه مبتهلاً!!
وخامس يأتي بصورة بئر الماء الذي تكفل بقيمة حفره كوقف خيري لوالده في إحدى الأقليات الفقيرة مصحوبة بعبارة «يا رب تقبل مني»!!
وسادس يكتب لأعضاء القروب في هجيع الليل «يا الله!! ركعتين أديتها قبل قليل تساوي عندي الدنيا وما فيها»!!
وسابعة تصور مكان المصلّى الذي أعدته للصلاة وللقيام في رمضان وتبعثه لقروب الأهل والزميلات!!
هل تأملتَ حال المعتمرين والحجاج اليوم!!
إنك بالكاد تستطيع الطواف أو الاستمرار في السعي!!
تصطدم كثيراً بالمنهمكين بالتصوير في أوضاع مختلفة محذرين من المرور حتى لا تحيل بينهم وبين من يلتقط لهم الصورة فتفسد عليهم المشهد الروحاني المتقن!!
وآخرون مغرمون بالسيلفي وهم يقبلون الحجر، ويطوفون ويهرولون .. ويشربون زمزم .. ويقفون عند مقام إبراهيم!!
في قدرة تمثيلية مبدعة على تجسيد دور الخاشع المنهمك في الطاعة!!
يكذب على نفسه، قبل الناس، من يدَّعي بأنه إنما فعل ذلك من أجل تشجيع الآخرين لفعل الخير والصلاح!! .. الناس هنا، بالذات، لا تجهل طريق الخير ولا مسالك الصلاح!!
الله وحده أعلم بالنيات .. وأعلم بالأعمال الخالصة المقصودة لوجهه الكريم وحده لا شريك له، تجري في الخفاء الشديد من عباده المتقين لا يعلمها إلا هو، لأنها له عز وجل وحده، وليس لكي يقال إن فلاناً تقي، أو ورع، أو بار بوالديه أو يقوم الليل!!
ماذا بقي لنا في الحياة إن ضاعت منّا علاقتنا بربنا ودخلها بتسلل خفي «الرياء» الذي تعاظم وتوقد واشتعل على نحو مخيف ومريع بفعل الجوالات الذكية وقنوات التواصل الاجتماعي!! .. فأفسد طاعاتنا وصلاتنا وصدقاتنا وحقق الله لنا ما نوينا فامتدحنا الناس!!
«الرياء» الذي ما تخيلنا أبداً قدرته الرهيبة على إفساد العبادات، ومهارته في تلويث نية الطاعة لله بالمباهاة.
تأمل الصورة المتناهية الدقة في براعة وصف تسلله في دهاء إلى قلوب الناس: «أخفى من دبيب نملة سوداء على صخرة سوداء في ليلة ظلماء »!! .. لذلك حذّر منه الرسول ﷺ وكان أشد ما يخشاه على أمته: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ» قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ، اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً».
بقلم د.أميرة الزهراني
===============
إضافة:
بعد الاستماع لعدد من المشايخ المعتبرين في زماننا هذا
من فعل خيراً، أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر
فصور، ثم نشر، قاصداً تشجيع الناس أو نصحهم
فهذا لا بأس به.
وإن صور من غير أن يظهر وجهه فحسن.
أما النوايا القلبية فمردها إلى الله.
قد يقول قائل:
أنا أنشر الخير بهدف تشجيع الناس ونصحهم أولاً
ثم جلب الإعجاب والمتابعين والذكر الحسن ثانياً
اسمع بارك الله فيك أخي الغالي:
جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال:
أرأيتُ رجلاً غزا يلتمسُ الأجْرَ والذّكْرَ ؛ ما له؟
فقال رسول اللهِ ﷺ :
"لا شيء له"، فأعادها ثلاث مِرار، ويقول رسول اللهِ ﷺ :
"لا شيء له"، ثم قال:
"إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتُغيَ به وجهُهُ".
الترغيب والترهيب
الراوي : أبو أمامة الباهلي
المحدث : الألباني
المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم: 3140
خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح
الخلاصة:
أصلح نيتك من اليوم
واجعلها خالصة لوجه الله
واعلم بأن الله يعلم السر وأخفى
واعلم بأن الدنيا ستأتيك رغماً عنها
فقد روى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من كانت الآخرة همه جعل اللَّهُ غناهُ في قلبهِ وجمع له شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدُّنيا همه جعل اللَّهُ فقرَهُ بين عينيه وفرَّقَ عليه شملَهُ ، ولم يأتِهِ من الدُّنيا إلا ما قُدِّرَ لَهُ"
الراوي : زيد بن ثابت
المحدث : الألباني
المصدر : صحيح ابن ماجه
الصفحة أو الرقم: 3329
خلاصة حكم المحدث : صحيح
آفة العلم الكبر
وآفة العبادة الرياء
الرد على الشاذلي (ص 207).
قال العلامة ابن رجب رحمه الله:
وهنا نكتة دقيقة، وهي: أنّ الإنسان قد يذمّ نفسه بين الناس يُريد بذلك أن يُريّ الناس أنّه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرّياء، وقد نبّه عليه السلف الصالح ، قال مطرّف بن عبد الله بن الشخير : كفى بالنفس إطراءً أن تذمّها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها ، وذلك عند الله سفه.
(ذم المال والجاه ص 74 )
قال الحسن البصري:
إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوّر وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: { ادعوا ربكم تضرعاً وَخُفْية } ، وذلك أن الله ذكر عبداً صالحاً رضي فعله فقال: { إذ نادى ربَّهُ نِداءً خَفِيّا }.
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله:
الرياء :
هو أن يعمل الإنسان العمل الصالح لأجل أن يراه الناس فيمدحوه.
وهو محبط للعمل، وموجب للعقاب، وهو شيء في القلب.
وقد سماه النبي ﷺ [ الشرك الخفي] .
ومن علاماته :
أن ينشط الإنسان في العمل إذا كان يراه الناس ، وإذا كانوا لا يرونه ؛ ترك العمل.
والذي يبتلى بالرياء :
يُنصح بالخوف من الله، ويذكر باطلاع الله على ما في قلبه، وشدة عقوبته للمرائين، وبأن عمله سيكون تعبا بلا فائدة، وبأن الناس الذين عمل من أجل مدحهم، سيذمونه ويمقتونه ولا ينفعونه بشيء.
المنتقى من فتاوى الفوزان (12/4)
قال النبي ﷺ لأبي بكر رضي الله عنه :
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ للشرك أخفَى مِنْ دَبِيبِ النمل
ألا أدلك عَلَى شيء إذا قلته ذهبَ عَنْكَ قَلِيلَهُ وَكَثيرُهُ ؟
قَالَ : قُل:
"اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم" )
الراوي : معقل بن يسار
المحدث : الألباني
المصدر : صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري
الصفحة أو الرقم: 551
خلاصة حكم المحدث : صحيح
ختاماً:
احفظ هذه الدعاء عن ظهر قلب
يقال إذا خاف العبد على نفسه شيئا من الرياء
أو أراد أن يتقي أبواب الشرك كبيرها وصغيرها
"اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم"
ولا تنسى أن تتعوذ بالله وتقول:
"اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر، والفسوق، والشقاق، والنفاق، والسمعة، والرياء"
وختامًا
" لا داعي لتوثيق كلَّ خيرٍ تقوم به ، كلَّف الله الملائكة بهذه المهمَّة "